سعر النفط العالمي, على ما يبدو أن سوق النفط العالمي سوف يتحول إلى مرحلة التجديد في الربع الثاني، وأن أسعار النفط قد تظل مرتفعة ومتقلبة على مدار العام، حيث يظل الاتجاه العام متقلبًا بين الصعود والهبوط حول نطاق 110 دولار للبرميل. لقد قدمت الصراعات الجيوسياسية المستمرة في أوروبا دعمًا ممتازًا لأسعار النفط، لكن إجراءات الإغلاق التي اتخذتها السلطات الصينية للوقاية والسيطرة علي انتشار فيروس كورونا مرة أخري قد أضعفت التوقعات بشأن احتمالات الطلب إلى حد ما، لهذا يتوقع المحللون استمرار التذبذب في سعر النفط العالمي وقد تظل مرتفعة ومتقلبة على مدار عام 2022.

اتجاه سعر النفط العالمي في الربع الأول من عام 2022

في الربع الأول من عام 2022 ارتفعت أسعار تداول النفط بشكل حاد وتقلبت عند مستويات عالية، وبلغ متوسط ​​سعر خام برنت 97.90 دولار للبرميل بارتفاع بنسبة 22.89% على أساس شهري و 59.65% على أساس سنوي. في الفترة من يناير إلى فبراير تأثرت الأسعار بالتوترات الجيوسياسية مثل الصراع بين روسيا وأوكرانيا والهجوم المسلح للحوثيين في اليمن على الإمارات العربية المتحدة، وقد سيطرت على معنويات السوق مخاوف بشأن عدم كفاية المعروض، وتذبذبت أسعار النفط العالمية صعودًا ليرتفع متوسط ​​السعر اليومي لخام برنت من 80 دولار للبرميل في أوائل يناير إلى 100 دولار بنهاية فبراير.

في شهر مارس تأثرت لعبة مصالح جميع الأطراف المعنية بالوضع في روسيا وأوكرانيا، فتقلبت أسعار النفط عند مستويات عالية، في 8 مارس ارتفع متوسط ​​السعر اليومي لخام برنت إلى 127.98 دولار مسجلاً أعلى مستوياته منذ يوليو 2008، ثم تراجعت التقلبات وتراجع السعر إلى 105 دولارات للبرميل بنهاية الشهر.

العوامل التي تُحرك سعر النفط العالمي خلال 2022

لا يزال الاقتصاد العالمي في منطقة التوسع والصراع الروسي الأوكراني يتزايد

في الربع الأول أدى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع العالمية إلى زيادة الضغوط التضخمية وتباطأ النمو الاقتصادي العالمي، ولكن تختلف اتجاهات النمو الاقتصادي في مختلف الدول، فالاقتصاد الأمريكي يتوسع بشكل معتدل وسوق العمل يتعافى بقوة ولكن التضخم يستمر في التدهور، وقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول بنسبة 1.1% على أساس سنوي وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في الفترة من يناير إلى مارس بنسبة 7.5% و 7.9% و 8.5% على أساس سنوي على التوالي.

لكن الصراع الروسي الأوكراني والعقوبات المفروضة على روسيا أثرت بشدة على منطقة اليورو، وتم كبح زخم الانتعاش الاقتصادي وارتفع معدل التضخم، وقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين خلال الفترة من يناير إلى مارس بنسبة 5.1% و 5.9% و 7.5% على أساس سنوي على التوالي. أما الاقتصاد الصيني فكان يتعافي بوتيرة أسرع ولكنه تأثر بفيروس كورونا في نهاية الربع وتم التحكم في التضخم عند مستوى معقول، وقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول بنسبة 4.8% على أساس سنوي وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين من يناير إلى مارس بنسبة 0.9% و 0.9% و 1.5% على أساس سنوي على التوالي.

أما الوضع الوبائي في الاقتصادات الناشئة مثل جنوب شرق آسيا خطير، ويؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي.

تراجع الطلب على النفط والوضع في روسيا وأوكرانيا والوباء هما العاملان وراء هذا التراجع

بناءً على توقعات وكالة الطاقة الدولة، تقلص الطلب العالمي على الوقود السائل إلى حوالي 99 مليون برميل يوميًا في الربع الأول بانخفاض حوالي 1.5 مليون برميل يوميًا عن الربع السابق.

تشمل الأسباب الرئيسية لانخفاض الطلب تدابير الوقاية من الأوبئة ومكافحتها والصراع بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع أسعار النفط، ووفقًا لتوقعات وكالة الطاقة الدولية انخفض الطلب الأوروبي بنحو 0.65 مليون برميل يوميًا على أساس شهري وانخفض الطلب الروسي بنحو 0.19 مليون برميل يوميًا، وتراجع الطلب الصيني بنحو 0.1 مليون برميل يوميًا، ولكن الطلب الأمريكي ارتفع بنحو 0.27 مليون برميل على أساس شهري.

إنتاج النفط بطيء والعرض الإجمالي في السوق واسع

على الرغم من عدم استجابة أوبك لدعوات الولايات المتحدة برفع مستويات الانتاج وتراجع مستويات الإنتاج الروسي بسبب العقوبات وبطء نمو الإنتاج في الدول غير الأعضاء في أوبك مثل الولايات المتحدة، كان إجمالي المعروض في السوق كبير بسبب انخفاض مستويات الطلب وتحرير احتياطيات النفط الاستراتيجية من قبل الدول المنتجة للنفط.

ظل المعروض العالمي للنفط عند حوالي 99.5 مليون برميل يوميًا بزيادة حوالي مليون برميل يوميًا على أساس شهري وأعلى من الطلب بنحو 0.5 مليون برميل يوميًا بحسب إحصائيات وكالة الطاقة الدولية، حافظت “أوبك +” على خطة زيادة إنتاج النفط الخام الشهرية البالغة 0.4 مليون برميل يوميًا لكنها لم تصل إلى الإنتاج الموعود، كانت معدلات تنفيذ أهداف الإنتاج خلال الفترة من يناير إلى مارس 97.7% و 97.2% و 96.2% على التوالي، أما نمو إنتاج النفط الأمريكي كان بطيئ بشكل نسبي، مع زيادة الإنتاج بنحو 0.06 مليون برميل يوميًا في الربع الأول.

وقد أطلقت الدول الرئيسية المستهلكة للنفط حوالي 64.5 مليون برميل من احتياطيات النفط الاستراتيجية، أي ما يعادل زيادة بنحو 0.35 مليون برميل يوميًا في المعروض من يناير إلى يونيو.

مخزونات النفط العالمية عند مستويات منخفضة تاريخياً

وفقًا لإحصاءات وكالة الطاقة الدولية، اعتبارًا من نهاية فبراير بلغ مخزون النفط التجاري في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 2611 مليون برميل، والتي انخفضت إلى أدنى مستوى منذ أبريل 2014، وبلغت مخزونات النفط الخام الاستراتيجية 1148.5 مليون برميل والتي هبطت إلى أدنى مستوى لها منذ يوليو 2003.

البنوك المركزية الأوروبية والأمريكية تنسحب من سياسة التيسير النقدي

من أجل التعامل مع مخاطر التضخم  بدأت البنوك المركزية في أوروبا والولايات المتحدة في الانسحاب من سياسات التيسير النقدي، وقد أنهى البنك الاحتياطي الفيدرالي خفض مشترياته من السندات في مارس وبدأ في رفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ ثلاث سنوات بمقدار 25 نقطة أساس في شهر مارس، وهو ما كان يتماشى بشكل أساسي مع توقعات السوق، وكان تأثيره على أسعار النفط يميل إلى الضعف.

كما أنهى البنك المركزي الأوروبي برنامج شراء سندات مكافحة الوباء الطارئ (PPEP) في نهاية مارس، وأعلن أنه سيتم سحب برنامج شراء الأصول التقليدية (APP) في الربع الثالث، ولن يبدأ في رفع سعر الفائدة حتى نهاية التناقص التدريجي لشراء السندات.

الأحداث الجيوسياسية تحدث بشكل متكرر

في الربع الأول، حدثت الكثير من الأحداث الجيوسياسية وأصبحت عاملاً رئيسياً يقود اتجاه أسعار النفط، مما تسبب في تقلب أسعار النفط الخام الدولية بشكل كبير من أساسيات العرض والطلب، التي تشمل الصراع بين روسيا وأوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا والتي دفعت أسعار النفط العالمية عاليًا.

قد يظل عام 2022 مرتفعا ومتقلبا

بالنظر إلى العام بأكمله، قد تظل أسعار النفط في اتجاه واسع النطاق، وسيكون من الصعب التخلص من القيمة التي تجلبها الصراعات الجيوسياسية على المدى القصير، ولكن سيكون هناك مزيد من الشكوك في السوق مثل المفاوضات حول القضية النووية الإيرانية والعقوبات ضد روسيا من قبل العديد من الدول.

إذا نظرنا إلى الوراء في بداية الربع الأول من عام 2022، أعربت المؤسسات الكبرى عن تفاؤلها بشأن توقعات الطلب في سوق النفط العالمية، وقد حافظت الدول المنتجة للنفط على زيادة طفيفة في الإنتاج وكان السوق قلقًا من زيادة المعروض من الموارد النفطية وارتفاع أسعار النفط بشكل مطرد. منذ نهاية فبراير أصبحت النزاعات الجيوسياسية في أوروبا الشرقية محط اهتمام من جميع مناحي الحياة، وأعاقت العقوبات التي فرضتها العديد من الدول على روسيا صادراتها من النفط الخام، لترتفع أسعار النفط العالمية على المدى القصير.

من المرجح أن تظل الجغرافيا السياسية تجلب عوامل الخطر إلى السوق في الربع الثاني، والعقوبات ضد روسيا ستقلل من صادرات الطاقة الروسية على المدى القصير وستدعم مخاوف الإمداد أسعار النفط، على المدى الطويل، سيكون لارتفاع أسعار النفط تأثير سلبي على الطلب وقد تؤثر العقوبات التي تفرضها العديد من الدول على الاقتصاد العالمي، مما قد يؤثر بشكل أكبر على الطلب على النفط الخام.

بالإضافة إلى ذلك، في ظل خلفية ارتفاع أسعار النفط والأرباح المرتفعة، لا تنشط أوبك في زيادة الإنتاج، كما أن إطلاق احتياطيات النفط الخام من قبل الدول المستهلكة للنفط له تأثير محدود في استقرار أسعار النفط فعليًا، ومن ناحية أخري، دخلت الولايات المتحدة في دورة نقدية متشددة وستواصل رفع أسعار الفائدة، الأمر الذي سيؤدي إلى آثار سلبية على سوق النفط.

بشكل عام، إن أسعار النفط العالمية ستستمر في التأرجح الحاد في الربع الثاني، وقد أتاح عدم اليقين الجيوسياسي مجالاً هائلاً للتقلبات في أسعار النفط، ومن المتوقع أن يتحول السوق إلى فائض في العرض في عام 2022 وسوف يدخل مرحلة التجديد في الربع الثاني.