إن قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش تعد من أبرز قصائد الهجاء والقذع في الشعر العربي، حيث أنها واحدة من أشهر ما ورد في هذا الإطار ضمن عصور الشعر العربي المختلفة، تتميز باكتمال عناصر هذا النوع من الأغراض الشعرية، بالإضافة إلى كونها مسبوكة من قبل واحد من فطاحل شعراء العرب، يذاع صيته بالبراعة والنبوغ الشعري إلى الحد الذي يستلزم التعاطف مع ضحيته التي قرر هجاءها.

اقرأ أيضًا: تحليل قصيدة سربروس في بابل

قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش

وقصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش واحدة من نظم الهجاء القاسي التي قلما جاء ما يشابهها في جودة السبك، وجزالة الألفاظ، وسلاسة السياق، إلى جانب شناعة الوصف، وسوء المعاني بطريقة مبهرة، بحيث ينتهي القارئ مصعوقا ببذاءة ما قرأ، مبهورا ببراعة الأسلوب، فيقف عاجزا عن التقييم، لا يعلم أيعجب من ابن الرومي ووقاحته، أم يحترم قريحته وموهبته، لكن بالمجمل ينتقل كل من اطلع على هذه القصيدة من التفكير بابن الرومي، لمعرفة الأخفش تعيس الحظ الذي وقع في براثن هجاء ابن الرومي.

حيث جاء في هذه القصيدة:

ألا قل لنحويك الأخفش   أنست فأقصر ولم توحش

وما كنت عن فئة مقصرا    وأشلاء أمك لم تنبش

تحديات صلاح وفي نفثه   نذير فأقلع ولم تنهش

أبا حسن إنني سائل       فأعدد جوابا ولا تدهش

أليس أبوك بني آدم فأنى     طمست ولم تنقش

ولم جئت أسود ذا حلكة    ولم تأت كالحية الأرقش

  • ثم يتابع ابن الرومي في قصيدته المهينة ذم سليمان بن الأخفش، والطعن في نسبه وشرف والده ومروءته، وذلك بطريقة بارعة الأذى، سيئة المضمون، فقد قال:

لقد غش فيك أب غافل    فما دهمة فيك لم تغشش

أب ذو فراش ولكنه لأي       البرية لم يفرش

أما والقريض وأسواقه.         ونجشك فيه من النجش

ودعواك عرفان نقاد           بفضل النقي على الأنمش

لئن جئت ذا بشر حالك        لقد جئت ذا نسب أبرش

وما واحد جاء من أمه          بأعجب من ناقد أخفش

  • وينتقل ابن الرومي في الأبيات الشعرية التالية ليذم والدة الأخفش، حيث أنه يرميها بأسوأ التهم، ويتهتك في نعتها والحديث عنها بأسلوب دنيء سيء، دون مراعاة لأي خلق، أو احترام لأي عرف، ضاربا عرض الحائط بكل حدود اللياقة واللباقة، حيث أنه يتابع شعره قائلاً:

ألا يا بن تلك التي كارمت      أيور الزناة ولم ترتش

وأضحت تعير مع العائرين    في زمرة البقش الأبقش

ولم لا تعير ولم تضربوا        عليها حجاب بني دنقش

ولم تحرسوا خلوات أستها       برقبة زخش ولا ختش

فما بالكم بالتي لم تزمم          يا للرجال ولم تخشش

أليست تسير على وجهها        بسيرة سيدوك أو دنهش

وأنى تعف وفي طيزها            سعير يهر على الحشش

تظل إذا قل قثاؤها                 تموش البقايا مع الموش

تنام وديوثها نائم                   يفش الفسيا مع الفشش

وكم جاهرته وقالت له تغافل كأنك في مرعش

إذا ما احتشت لم تخف  سخطه لأن الفتى مثلها محتش

وماذا ينيكون من شيخة  قد استكرشت كل مستكرش

كسا طيزها شمط لابد         على القمل كالصوف لم ينفش

إذا ذكرت لم يكن ذكرها   بأيسر نتنا من المنبش

عذيري من ابن التي لم تزل   تقلب كالطائر المرعش

لها كل يوم إلى فاسق   حنين قطام إلى جحوش

أسيود جاءت به قردة    سويداء غاوية المفرش

أتانا به في سواد استها   وأذناه في صفرة المشمش

عظيم كشانخة قائدا  طويل السلامة لم يخدش

گأن سنا الشتم في عرضه   سنا الفجر في السحر الأغبش

تسمع أحاديثها صاحيا   فإنك من حمق منتشي

أتت بك أمك من أمة فإن   كنت أعمى فلا تطرش

أتأمل مني ولم تجع   وتشرب مني ولم تعطش

  • أما في هذا القسم من القصيدة، فيتناول الشاعر ابن الرومي شخص سليمان بن الأخفش بالذم، فيكيل إليه ما يجرح الأسماع من الشتائم والقذع، ويتفنن بأساليب التجريح به، حيث أنه يقول:

ولؤمك لؤم له فضله   رويناه قدما على الأعمش

تبين والشمس معدومة    وأظلم والليل لم يغطش

أقول وقد جاءني أنه       ينوش عجائب مع الموش

إذا عكس الدهر أحكامه     سطا أضعف القوم بالأبطش

أما ومحليك بالأسودين    لون الدجى والعمى الأغطش

رويدا تزرك على رسلها        وتجري كعهدك لم تنكشف

قوافل إذا أنت أسمعتها     ضحكت إليها ولم تبشش

كما ضحك البغل لوى الزيار   جحفلة منه لم تهشش

تروح بها سيدا نابعا وإن    كنت في الوبش الأوبش

ولهفي ربحت وأخسرتني    نبلت وطشت مع الطيش

وقد كان في الحلم لي   فسحة ولكن عثرت ولم تنهش

وإني لمبرى لمن كادني    وما شئت من صنع مريش

أحيت غدا مقولي مبردا    حجشت شباه ألا فاجحش

أخيك لا تستطش حلمه    فما سهمه عنك بالأطيش

عرست لشوك قتاداته     وما شوكهن بمستوقش

غدا الحارشون معا        الشباب لا للمقرنة النهش

وأغداك حينك من بينهم    لحرش الأفاعي مع الحرش

وأنت قلبي لها مستقى       ولكن جالك لم يعرش

ظريف وفي الظرف مستأنس وفي الجهل موضع مستوحش

ونبئت أنك في ملطم لحر هجائي وفي مخمش

وأنت المعود أمثالها فأنى نفشت مع النفس

غررت ببارقة أنذرت بصاعقة من لظى محمش

أراك توهمتها بغشة صعقت لعمري ولم تبغش

وما كل من أفحشت أمه تعرض للقذع الأفحش.

الشاعر ابن الرومي

قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش واحدة من القصائد التي تميط اللثام عن أحد فحول الشعر العربي، ألا وهو الشاعر ابن الرومي:

  • اسمه أبو الحسن علي بن العباس بن جريج.
  • دعي بابن الرومي لأنه يعود إلى أصول رومية، أما والدته فكانت من بلاد فارس.
  • ولد في مدينة بغداد العراقية.
  • في عام 221 للهجرة في شهر رجب.
  • شاعر لا يشق له غبار في البلاغة والفصاحة.
  • له ثقل هائل في ميدان الشعر العربي، يوازي الشاعر بشار بن برد، والمتنبي، وامرؤ القيس.
  • عد من أهم شعراء العهد العباسي، وندر من خلفه من الشعراء بذات القدرة والموهبة الفذة.
  • تعرض في حياته للكثير من المكائد والضغائن، وذلك بسبب الغيرة والحسد.

أقول النقاد في ابن الرومي

وقد كانت قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش وأسلوب هجائه موضع اهتمام كبير، الأمر الذي أدى إلى دراسة أسلوبه الشعري، وتتبع أحداث حياته بشكل واسع، ومما ذكر عنه:

  • أنه ذو طالع سيء، محسود مكروه بين الناس، بالإضافة إلى طباع حادة، وحس مرهف يصل إلى حدود المرض والخبل، وذلك حسبما ذكر الأديب العربي العملاق طه حسين.
  • وبدوره ذكر ابن خلكان عنه أنه كان شاعرا فطحلا ذا قريحة قل نظيرها، يجيد سبك المعاني، وقولبة الألفاظ، ليكون أحد أهم من أجاد الشعر وعمل به.

سليمان بن الأخفش

وتعد قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش إحدى معالم قصيدة الهجاء في الشعر العربي، فإن كان شعر ابن الرومي بالمجمل سببا لشهرته على مر العصور، فإن هذه القصيدة المهينة كانت سببا في تخليد اسم الأخفش في التاريخ، حيث أنه:

  • أبو المحاسن علي بن سليمان بن الفضل.
  • هو الأخفش الصغير.
  • عالم بالنحو والبديع.
  • ولد في مدينة بغداد العراقية ثم انتقل ردحا من الزمن إلى القاهرة في مصر، وبعدها إلى حلب في بلاد الشام، وعاد إلى بغداد ليموت فيها عن عمر ناهز الثمانين.
  • حيث أنه ولد عام 235 للهجرة.

سبب الخلاف بين ابن الرومي وسليمان بن الأخفش

وتأتي قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش وهجائه ضمن سلسلة من الأخذ والرد في إطار خلاف مرير بين الرجلين، حيث أن:

  • سليمان بن الأخفش عمد إلى ازعاج ابن الرومي بشكل متكرر.
  • إذ كان ينادي أمام دار ابن الرومي ويصرخ بأقوال وألفاظ تبعث الرعب والتشاؤم في نفسه.
  • وكان يداوم على هذا المنوال فترات طويلة، حتى غدا ابن الرومي متوجسا من الخروج من داره.
  • فرد ابن الرومي على هذه التصرفات القبيحة بالهجاء والتقذيع.
  • لتخرج قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش بأشنع ما يكون من الهجو والذم.
  • وتصنف مع نقائض الفرزدق وجرير والأخطل في تصدر شعر الهجاء العربي.
  • واستمر خلاف الرجلين لتعلم به بغداد وما حولها.
  • وينتظر الناس قصائد ابن الرومي، وردود سليمان بن الأخفش.
  • ولم يكن بمقدور أحد أن يحل هذا الخلاف، أو أن يخفف حدته، خصوصاً بعد أن انتشرت بين العرب قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش وهجائه.

اقرأ أيضًا: تاقف على طرف الهدب كلمات، قصيدة تخيل إحدى الروائع الطربية الكلاسيكية

شعر ابن الرومي

ولا تعد قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش القصيدة الوحيدة التي أبدع فيها ابن الرومي، حيث أن محصوله الشعري متنوع جداً إذ أنه يشمل:

  • قصيدته الشهيرة رعاية حقنا حق عليكا، والتي جاء فيها:

رعاية حقنا حق عليكا       لما نعتد من ميل إليكا

ونصرك باسط النعمة علينا    نهاية ما نؤمله لديكا

فدونك من مودته نصيبا    رغيبا قد ملأت به يديكا

أبا العباس لا تقلب عليه    فقد أضحى ولم يغلب عليكا

متى راعيته من جانبيه      رعاك بعينيه من جانبيكا

ومثلك لا يدل على رشاد     كفاك بلمحة من ناظريكا

ولم تقدم به سيفا ودرعا      كهمك عدة في حالتيكا

  • بالإضافة إلى رائعته لولا فواكه أيلول، حيث جاء فيها:

لولا فواكه أيلول إذا اجتمعت  من كل نوع ورق الجو والماء

إذا لما حفلت نفسي متى اشتملت  علي هائلة الحالين غبراء

يا حبذا ليل أيلول إذا بردت   فيه مضاجعنا والريح سجواء

وأسفر العمر الساري فصفحته   ريا لها من صفاء الجو لألاء

إن قصيدة ابن الرومي في سليمان ابن الأخفش وعلى الرغم من شناعة مصمونها، إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من الدلالات والمعاني الهامة، التي تبين أهمية الشعر في حياة العرب، ومكانته البالغة فيها، إذ أنه نمط وأسلوب فاخر للدفاع عن النفس، واسترداد الحقوق، والتظلم علاوة على الفخر والتفاخر والمديح والغزل، حتى وصل إلى جانب السباب والشتم.